سورة الطور - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


قوله تعالى: {والطُّورِ} هذا قَسم بالجبل الذي كلَّم اللهُ عز وجل عليه موسى عليه السلام، وهو بأرض مَدْين واسمه زَبير.
{وكتابٍ مسطورٍ} أي: مكتوب، وفيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه اللوح المحفوظ، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: كتب أعمال بني آدم، قاله مقاتل، والزجاج.
والثالث: التوراة.
والرابع: القرآن حكاهما الماوردي.
قوله تعالى: {في رَقٍّ} قال أبو عبيدة: الرَّقُّ: الوَرَق. فأما المنشور فهو المبسوط.
قوله تعالى: {والبيتِ المعمورِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه بيت في السماء. وفي أي سماء هو؟ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه في السماء السابعة. رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث مالك بن صعصعة الذي أُخرج في الصحيحين يدل عليه.
والثاني: أنه في السماء السادسة، قاله عليّ رضي الله عنه.
والثالث: أنه في السماء الدنيا، رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: هو حيال الكعبة يحُجُّه كُلَّ يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه حتى تقوم الساعة، يسمى الضُّراح. وقال الربيع بن أنس: كان البيت المعمور مكان الكعبة في زمان آدم، فلمّا كان زمن نوح أمر الناس بحجِّه، فعصوه، فلمّا طغى الماءُ رُفع فجُعل بحذاء البيت في السماء الدنيا.
والثاني: أنه البيت الحرام، قاله الحسن. وقال أبو عبيدة: ومعنى: {المعمور} الكثير الغاشية.
قوله تعالى: {والسَّقْفِ المرفوعِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه السماء، قاله علي رضي الله عنه والجمهور.
والثاني: العرش، قاله الربيع.
قوله تعالى: {والبحرِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه بحر تحت العرش ماؤه غليظ يُمْطَر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحاً فينبتُون في قبورهم، قاله عليّ رضي الله عنه.
والثاني: أنه بحر الأرض، ذكره الماوردي.
وفي {المسجور} أربعة أقوال.
أحدها: المملوء، قاله الحسن، وأبو صالح، وابن السائب، وجميع اللغويين.
والثاني: أنه المُوقد، قاله مجاهد، وابن زيد. وقال شمر بن عطية: هو بمنزلة التنور المسجور.
والثالث: أنه اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب، قاله أبو العالية. وروي عن الحسن قال: تسجر، يعني البحار، حتى يذهب ماؤها، فلا يبقى فيها قطرة. وقول هذين يرجع إلى معنى قول مجاهد. وقد نقل في الحديث أن الله تعالى يجعل البحار كلَّها ناراً، فتزاد في نار جهنم.
والرابع: أن {المسجور} المختلط عذْبه بمِلحه، قاله الربيع بن أنس. فأقسم اللهُ تعالى بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم قدرته على أن تعذيب المشركين حق، فقال: {إنَّ عذاب ربِّك لواقعٌ} أي: لكائن في الآخرة. ثم بيَّن متى يقع، فقال: {يومَ تمورُ السماءُ موْراً} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: تدور دَوْراً. رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وهو اختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج.
والثاني: تحرَّكُ تحرُّكاً، رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة. وقال أبو عبيدة {تمور} أي: تَكفّأُ، وقال الأعشى:
كأنَّ مِشْيتَها مِنْ بيْتِ جارَتِها *** مَوْرُ السَّحابةِ لا ريْثٌ ولا عَجَلُ
والثالث: يموج بعضها في بعض لأمر الله تعالى، قاله الضحاك. وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل: 88] إلى قوله: {الذين هُمْ في خوْضٍ يلعبون} أي: يخوضون في حديث محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والاستهزاء، ويلهُون بذكْره، فالويل لهم.
{ويوم يُدعُّون} قال ابن قتيبة: أي: يُدْفعون، يقال: دععْتُه أدُعُّه، أي: دفعته، ومنه قوله: {يدُعُّ اليتيم} [الماعون: 2] قال ابن عباس: يُدْفع في أعناقهم حتى يردوا النّار. وقال مقاتل: تُغلُّ أيديهم إلى أعناقهم وتُجْمعُ نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يُدفعون إلى جهنم على وجوههم، حتى إذا دَنوا منها قالت لهم خزنتُها: {هذه النار التي كنتم بها تكذِّبون} في الدنيا {أفسحر هذا} العذاب الذي ترون؟ فإنكم زعمتم أن الرُّسل سحرةٌ {أمْ أنتم لا تُبْصِرون} النار؟ فلمّا أُلقوا فيها قال لهم خزنتُها: {إصْلوها}. وقال غيره: لمّا نسبوا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أنه ساحر يغطِّي على الأبصار بالسِّحر، وُبِّخوا عند رؤية النار بهذا التوبيخ، وقيل: {إصلوها} أي: قاسوا شِدَّتها {فاصبِروا} على العذاب {أو لا تصْبِروا سواءٌ عليكم} الصَّبر والجزع {إنمَّا تُجْزوْن} جزاء {ما كنتم تعملون} من الكفر والتكذيب.


ثم وصف ما للمؤمنين بما بعد هذا، وقوله: {فاكِهين} قرئت بألف وبغير ألف، وقد شرحناها في [يس: 55]، {ووقاهم} أي: صرف عنهم و{الجحيم} مذكور في [البقرة: 119].
{كُلوا} أي: يقال لهم: كُلوا {واشربوا هنيئاً} تأمنون حدوث المرض عنه. قال الزجاج: المعنى: لِيهْنِكم ما صِرتم إليه، وقد شرحنا هذا في سورة [النساء: 4] ثم ذكر حالهم عند أكلهم وشربهم فقال: {مُتَّكِئين على سُرُرٍ} وقال ابن جرير: فيه محذوف تقديره: على نمارق على سُرُر، وهي جمع سرير {مصفوفةٍ} قد وُضع بعضُها إلى جنْب بعض. وباقي الآية مفسَّر في سورة [الدخان: 54].


قوله تعالى: {وأَتبعْناهم ذُرِّياتِهم} قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {واتَّبعْتهم} بالتاء {ذُرِّيَّتُهم} واحدة {بهم ذُرِّيَّتَهم} واحدة أيضاً. وقرأ نافع: {واتَّبعتْهم ذُرِّيَّتُهم} واحدة {بهم ذُرِّيَّاتِهم} جمعاً. وقرأ ابن عامر {وأَتْبعْناهم ذُرِّيَّاتِهم} {بهم ذُرِّيّاتِهم} جمعاً في الموضعين. واختلفوا في تفسيرها على ثلاثة أقوال.
أحدها: أن معناها: واتَّبعتهم ذريتُهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم من المؤمنين في الجنة، وإن كانوا لم يبلُغوا أعمال آبائهم، تكرمةً من الله تعالى لآبائهم المؤمنين باجتماع أولادهم معهم، روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: واتَّبعتهم ذريتُهم بإيمان، أي: بلغت أن آمنتْ، ألحقنا بهم ذُرِّيَّتهم الصِّغار الذين لم يبلُغوا الإيمان. وروى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. ومعنى هذا القول: أن أولادهم الكبار تبعوهم بإيمان منهم، وأولادهم الصغار تبعوهم بإيمان الآباء، لأن الولد يُحكم له بالإسلام تبعاً لوالده.
والثالث: {وأتبَعْناهم ذُرِّياتهم} بإيمان الآباء فأدخلناهم الجنة، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
قوله تعالى: {وما ألتْناهم} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {وما ألَتْناهم} بالهمزة وفتح اللام. وقرأ ابن كثير: {وما ألِتْناهم} بكسر اللام. وروى ابن شنبوذ عن قنبل عنه {ومالِتْناهم} بإسقاط الهمزة مع كسر اللام. وقرأ أبو العالية، وأبو نهيك، ومعاذ القارئ بإسقاط الهمزة مع فتح اللام. وقرأ ابن السميفع {وما آلَتْناهم} بمد الهمزة وفتحها. وقرأ الضحاك، وعاصم، الجحدري: {وماوَلَتْناهم} بواو مفتوحة من غير همزة وبنصب اللام. وقرأ ابن مسعود، وأبو المتوكل: {وما أَلَتُّهُمْ} مثل جَعلتُهم. وقد ذكرنا هذه الكلمة في [الحجرات: 140] والمعنى: ما نَقَصْنا الآباء بما أعطَيْنا الذُّرِّيَّةَ.
{كُلُّ امريءٍ بما كسب رهينٌ} أي: مُرْتَهَن بعمله لا يؤاخذ أحدٌ بذَنْب أحد. وقيل: هذا الكلام يختصُّ بصفة أهل النار، وذلك الكلام قد تَمَّ.
قوله تعالى: {وأَمْدَدْناهم} قال ابن عباس: هي الزيادة على الذي كان لهم.
قوله تعالى: {يَتنازعون} قال أبو عبيدة: أي: يتعاطَون ويتداولون، وأنشد الأخطل:
نازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الْشَّمُولِ وقَدْ *** صَاحَ الدَّجاجُ وحانَتْ وَقْعَةُ الْسّاري
قال الزَّجَّاج: يتناول هذا الكأسَ من يد هذا، وهذا من يد هذا، فأمّا الكأس فقد شرحناها في [الصافات: 45].
قوله تعالى: {لا لَغْوٌ فيها ولا تأثيمٌ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {لا لَغْوَ فيها ولا تأثيمَ} نصباً وقرأ الباقون: {لا لَغْوٌ فيها ولا تأثيمٌ} رفعاً منوَّناً. قال ابن قتيبة: أي: لا تَذهبُ بعقولهم فيَلْغُوا ويَرْفُثوا فيأثموا، كما يكون ذلك في خمر الدنيا. وقال غيره: التأثيم: تفعيل من الإثم، يقال آثمه: إذا جعله ذا إثم: والمعنى أن تلك الكأس لا تجعلهم آثمين.
{ويطوف عليهم} للخدمة {غِلْمانٌ لهم كأنَّهم} في الحُسن والبياض {لؤلؤٌ مكنونٌ} أي: مصونٌ لمْ تَمَسَّه الأيدي.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا نبيَّ الله، هذا الخادم، فكيف المخدوم؟ فقال: «إنَّ فَضْل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب». قوله تعالى: {وأقبل بعضُهم على بعض يتساءلون} قال ابن عباس: يتذاكرون ما كانوا فيه في الدنيا من الخوف والتعب، وهو قوله: {قالوا إنّا كُنّا قَبْلُ في أهلنا} أي: في دار الدنيا {مشفقين} أي: خائفين من العذاب، {فمنَّ اللهُ علينا} بالمغفرة {ووقانا عذابَ السَّموم} أي: عذاب النار. وقال الحسن: السَّموم من أسماء جهنم. وقال غيره: سَموم: جهنم. وهو ما يوجد من نَفْحها وَحرِّها، {إنّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ ندعوه} أي: نوحِّده ونُخْلِص له {إنَّه هو البَرُّ} وقرأ نافع، والكسائي: {أنَّه} بفتح الهمزة.
وفي معنى {البَرِّ} ثلاثة أقوال:
أحدها: الصادق فيما وعد، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: اللطيف، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث، العطوف على عباده المحسن إليهم الذي عَمَّ بِبِرِّه جميع خَلْقه، قاله أبو سليمان الخطابي.

1 | 2